الرسالة الخفية للمرض


كان عماد جالسًا مع صديقه سامي في المقهى، يتناولان مشروبهما المفضل في صمت، وعيناهما تراقبان الحياة من حولهما.
كان سامي يعاني من مشكلة صحية مزمنة جعلته يشعر بالحيرة والقلق. بدأت الشكوى تتكرر على لسانه، ولم يكن يعرف ماذا يفعل.

قال سامي بصوت منخفض:
“عماد، أنا تعبت. مهما ذهبت إلى الأطباء، ومهما جربت الأدوية، الألم ما زال يلازمني. مش عارف أعمل إيه. أعتقد إن الحياة مش عادلة.”

عماد نظر إليه بتمعن، ثم تحدث بهدوء:
“إنت شايف إن الحياة مش عادلة؟ طيب، هل فكرت قبل كده إن المرض اللي عندك ده ممكن يكون رسالة؟”

سامي رفع حاجبيه في دهشة وقال:
“رسالة؟!
إزاي يعني؟
المرض رسالة؟”

عماد ابتسم قليلاً وقال:
“أنا مش بقول إن المرض شيء سهل أو إنه حاجة هنقدر نتجاهلها. لكن، هل فكرت إن الجسد ممكن يكون بيحاول يقلك حاجة؟ إن كل ألم، كل مرض، هو زي إشعار جايك من الداخل عشان يقولك ‘في حاجة غلط’؟”

سامي كان يواجه هذه الفكرة بصعوبة.
“طيب، يعني إنت بتقول إيه؟ إن المرض مش مجرد شيء عادي؟”

عماد ظل صامتًا للحظات، ثم أجاب:
“أحيانًا، الجسد مش بس بيتألم عشان جسمك مريض. أحيانًا بيكون ده بسبب توتر داخلي أو مشاعر مش قادرة تخرج.
مثلاً، لو كنت مش قادر تعبر عن غضبك، ممكن الجسد يجيبه لك على شكل ألم في مكان ما.
إذا كنت مش راضي عن حياتك أو مش مرتاح داخليًا، جسمك هيساهم في إنك تحس بهذا الضغط بشكل ما.”

سامي كان ينظر له بتركيز، لكن لا يزال غير مقتنع.
”طيب، طيب… يعني إيه الرسالة اللي ممكن تكون الجسد عاوز يقولها لي؟”

عماد رد بهدوء، وهو يركز على كلامه:
“خليني أقول لك. الجسد مش مجرد جهاز بيعمل وظائفه. الجسد هو مرآة لعقلك وروحك.
لو كنت مش راضي عن شغلك، عن حياتك أو عن اختياراتك، الجسد هيفشل في تحمل هذه المشاعر، فبيبدأ يتعرض للأمراض.
لكن لو كنت في سلام داخلي، لو كنت متصالح مع نفسك، هتلاحظ إن الأمراض مش هتجيك بسهولة.”

سامي ظل صامتًا لفترة، يبدو أنه بدأ يفكر في كلام عماد.
”لكن، عماد، لو أنا مش عارف أعمل إيه؟ لو عندي كثير في حياتي بيضغط علي؟ لو مش قادر أتوقف عن التفكير في كل حاجة وأواجه مشاعري؟”

عماد نظر إليه بصبر وقال:
“أول شيء لازم تعمله هو توقف وتسمع لجسدك.
مش كل شيء يحتاج لحل خارجي.
أحيانًا أفضل شيء تعمله هو أن تتوقف وتواجه نفسك.
اسأل نفسك، ‘إيه اللي في حياتي مش متوافق مع روحي؟’
لما تبدأ تسأل الأسئلة دي، هتبدأ تكتشف إن المرض مش فقط ألم في الجسد، لكن رسالة بتطلب منك تغيير شيء في حياتك.
سواء كان أسلوب حياتك، أو علاقاتك، أو حتى أفكارك عن نفسك.”

سامي بدأ يلمس فكرة جديدة.
“يعني إزاي أبدأ؟ هل أبدأ بالحاجات الكبيرة ولا الصغيرة؟”

عماد أجاب بهدوء: “ابدأ بالحاجات الصغيرة.
لو كنت مش راضي عن شيء صغير في حياتك، زي علاقتك مع الأكل أو مع النوم، حاول تصلحها أولًا.
وبعد كده، مع الوقت، هتبدأ تلاحظ التحسن في صحتك الجسدية.
الجسد بيستجيب للعناية الداخلية زي ما هو بيستجيب للعناية الخارجية.”

سامي نظر لعماد بإعجاب وقال:
“طب، لو كنت أنا مش قادر أواجه كل ده لوحدي؟”

عماد ابتسم وقال:
“مش لازم تواجهه لوحدك.
أحيانًا العلاج هو في أن تتكلم وتفكر مع شخص تاني زي دلوقتي.
الحوار مهم.
واكتشاف أنك مش لوحدك في مشكلتك ده شيء كبير.
العلاج الحقيقي يبدأ لما نفتح قلوبنا ونواجه الحقائق بكل صراحة.
لو بدأنا نتعامل مع الجسد كأداة للتواصل مع أنفسنا، هتلاحظ تحسنًا كبيرًا في كل جوانب حياتنا.”

سامي أخيرًا ابتسم وقال:
“شكراً، عماد. دلوقتي بدأنا نفهم بعض أكتر. مش لازم المرض يبقى النهاية.
يمكن يكون بداية جديدة.”

💜 من القلب 💜

مونسلانس